فصل: وإن يكُنْ في القَدْر قَبْلَ السُّكْنى *** تحالَفا والفَسْخُ بَعْدُ سُنَّ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البهجة في شرح التحفة ***


الصندل والحطب والحشيش والحلفاء والقصب‏.‏ قيل لسحنون‏:‏ ولم جاز كراؤها بهذه الأشياء وهي كلها مما تنبته الأرض‏؟‏ فقال‏:‏ هذه الأشياء يطول مكثها ووقتها فلذلك سهل فيها وقوله‏:‏ ‏(‏من غير مزروع بها‏)‏ بيان لما وقوله‏.‏ ‏(‏أو القصب‏)‏ عطف على الخشب والتقدير والأرض لا تكرى بجزء تخرجه مما هو مزروع بها ولا بما تنبته من غير مزروع بها كقطن وكتان لا يصلحان للزراعة في هذه الأرض المكتراة بخصوصها وأحرى في عدم الجواز إذا كانا يصلحان للزراعة فيها إلا الخشب والقصب ونحوهما من صندل وحلفاء، فيجوز كراؤها بذلك فقوله ولا بما تنبته معطوف على بجزء من عطف المغاير لا من عطف عام على خاص كما لا يخفى، إذ معنى المعطوف أنه أكراها منه بعشرة أرطال من قطن أو كتان كانت الأرض تصلح لزراعتهما وزرعا فيها أو لا تصلح لذلك، وبهذا تعلم أنه لو حذف قوله من غير مزروع بها لكان أحسن‏.‏

ولا بِما كانَ مِنَ المَطْعُومِ *** كالشّهْدِ واللّبَنِ واللُّحْومِ

‏(‏ولا‏)‏ تكرى أيضاً ‏(‏بما كان من المطعوم‏)‏ وإن لم تنبته ولا خرج منها ‏(‏كالشهد واللبن واللحوم‏)‏ والنبيذ والملح والفلفل وزريعة الكتان وزريعة الفجل وطير الماء الذي للذبح وشاة اللحم ونحو ذلك كما في ابن عرفة وغيره‏.‏

تنبيهات‏:‏

الأول‏:‏ كان حق الناظم أن يؤخر قوله‏:‏ والفسخ الخ‏.‏ عن هذا البيت وأن يحذف قوله‏:‏ من غير مزروع بها كما مر فلو قال‏:‏

والأرض لا تكرى بجزء تخرجه *** أو بطعام هب بما لا تنبته

كذا بما تنبته غير الخشب *** وإن يفت فخرج مثل قد وجب

لكان أسهل وأخصر والخرج بسكون الراء لغة في الخراج أي الأجر‏.‏

الثاني‏:‏ تقدم أن مذهب الليث وبه أخذ أكثر الأندلسيين جواز كراء الأرض بما يخرج منها وعليه رد الناظم بقوله‏:‏

والأرض لا تكرى بجزء تخرجه الخ‏.‏ ولكن عمل عامة الناس اليوم على مذهب الليث ومن أخذ به ولا يستطيع أن يردهم عن ذلك راد‏.‏ ابن العربي‏:‏ وأما كراء الأرض بجزء مما يخرج منها فهو مذهب فيه أحاديث كثيرة والمقنع فيها قوي، وذلك أنا رأينا الله تبارك وتعالى قد أذن لمن كان له نقد أن يتصرف في طلب الربح أو يعطيه لغيره يتصرف فيه بجزء معلوم فالأرض مثله، وإلاَّ فأي فرق بينهما وهذا قوي ونحن نفعله اه‏.‏ فانظر قوله‏:‏ ونحن نفعله وهي إحدى المسائل التي خالف أهل الأندلس فيها مالكاً، ومنها توجيه يمين التهمة مطلقاً إلا فيما كان فيه معرة كالسرقة والغصب، ومنها توجه اليمين بدون خلطة، ومنها الحكم باليمين مع الشاهد إلى غير ذلك، وذكر آخر المفيد منها نحو الثمانية عشر وتقدمت في باب الضمان‏.‏

الثالث‏:‏ قال في المدونة‏:‏ من أكرى أرضه بدراهم أو دنانير مؤجلة فحلت فلا يأخذ بها طعاماً ولا إداماً وليأخذ ما يجوز أن تكرى به قال‏:‏ ويجوز أن تكرى أرضك بأصول شجر ليس فيها ثمر، فإن كان فيها ثمر وقتئذ لم يجز كما كره مالك شراء شجر فيها ثمر بطعام عاجل أو آجل، ويجوز بيع رقبة الأرض بشجر فيها ثمر كما يجوز أن تباع بطعام عاجل أو آجل اه‏.‏

الرابع‏:‏ قال سحنون‏:‏ من اكترى أرضاً بما يخرج منها فذلك جرحة في حقه، وتأوله أبو محمد بما إذا كان عالماً بالمنع وهو مذهبه أو قلد مذهب المانع وإلاَّ فلا انظر ‏(‏ح‏)‏ والشامل‏.‏

وتُكْتَرَى الأرْضُ لِمُدَّةٍ تُحَدْ *** مِنْ سَنَةٍ والعَشْرُ مُنْتَهَى الأَمَدْ

‏(‏وتكترى الأرض لمدة تحد من سنة‏)‏ أو سنتين أو ثلاث ‏(‏والعشر‏)‏ سنين ‏(‏منتهى الأمد‏)‏ وظاهره كانت أرض سقي أو بعل اكتريت بشرط النقد أو بدونه، وظاهره أيضاً أنه لا يجوز كراؤها لأكثر من عشر سنين، وليس كذلك في هذا الأخير، ويقيد جواز شرط النقد في الأولين بما إذا كانت مأمونة‏.‏ اللخمي‏:‏ الأمد في المستأجر يختلف باختلاف الأمن والخوف في تلك المدة فأوسعها في الأجل الأرضون ثم الدور ثم العبيد ثم الدواب ثم الثياب، فيجوز كراء الأرض ثلاثين سنة وأربعين بغير نقد إلا أن تكون مأمونة الشرب فيجوز مع النقد ويجوز ذلك في الدور إذا كانت جديدة مأمونة البناء، وإن كانت قديمة فدون ذلك بقدر ما يرى أنه يؤمن سلامتها إليه في الغالب انظر ‏(‏ح‏)‏ عند قوله‏:‏ وعبد خمسة عشر عاماً‏.‏ وفي المتيطية الذي عليه العمل، وبه الحكم أنه يجوز كراء الرباع العشر سنين والعشرين عاماً وأزيد من ذلك ولا بأس بتعجيل الوجيبة كلها‏.‏ هذا مذهب المدونة، وبه الحكم وذلك إذا كان الشيء المكترى ملكاً للمكري، وأما إن كان محبساً عليه وعلى غيره وجعل له السكنى فيه حياته، فلا يجوز أن يكريها بالنقد إلا سنة أو سنيتن، وجائز له أن يكريها إلى ما شاء من السنين وإن طالت إذا كان الكراء منجماً على المكتري، فكلما انقضى نجم دفع كراء أو كلما دخل نجم قدم كراء إذا كان النجم يسيراً السنة والسنتين على ما قدمناه اه‏.‏ وقد أشار ‏(‏خ‏)‏ إلى ضابط جواز النقد في مثل هذا بقوله‏:‏ وجاز النقد فيه أي في الشيء المستأجر إن كان لا يتغير في مدة الإجارة غالباً‏.‏ وقال في المقدمات‏:‏ الكلام في الأرضين على ثلاثة أوجه جواز عقد الكراء وجواز النقد ووجوبه فأما جواز عقد الكراء فجائز على مذهب المدونة من غير تفصيل كانت أرض مطر أو غيرها مأمونة كانت أم لا‏.‏ وأما جواز النقد فيها فإن كانت مأمونة كأرض النيل وأرض السقي بالأنهار والعيون والآبار وأرض المطر المأمونة يعني التي لا يتخلف عنها المطر غالباً كأرض المغرب فالنقد فيها للأعوام الكثيرة جائز، وأما غير المأمونة فلا يجوز النقد فيها إلا بعد أن تروى ويمكن من الحرث كانت من أرض النيل أو المطر أو السقي بالعيون والآبار، وأما وجوب النقد فإنه إنما يجب ويقضى به على المكتري في أرض النيل إذا رويت لأنها لا تحتاج إلى سقي فيما يستقبل، وأما أرض السقي والمطر فلا يجب على المكتري دفع الكراء حتى يتم الزرع ويستغني عن الماء، وكذا إذا كانت أرضاً تزرع بطوناً فلا يلزمه نقد الكراء في البطن حتى يستغني عن الماء اه‏.‏ باختصار‏.‏ وبهذا تعلم أنه لا مفهوم لقول الناظم والعشر منتهى الأمد الخ‏.‏ ولا لقول ‏(‏خ‏)‏‏:‏ وأرض مطر عشراً إن لم ينقد وإن سنة إلا المأمونة كالنيل أو المعينة فيجوز الخ‏.‏ فقوله‏:‏ وأرض مطر عشراً الخ‏.‏ أي‏:‏ وهي غير مأمونة الخ‏.‏ وقوله‏:‏ وإن سنة مبالغة في مفهوم إن لم ينقد أي فإن نقد في غير المأمونة بشرط امتنع، وإن شرط نقد حصته سنة فقط فشرط النقد مؤثر في المنع سواء نقد بالفعل أم لا‏.‏ وقوله‏:‏ فيجوز أي فيجوز العقد والنقد ولو لأربعين سنة كما مر عن اللخمي والمتيطي‏.‏

وإن تَكُنْ شَجَرَةٌ بِمَوْضِعِ *** جازَ اكتِرَاؤُهَا بِحُكْمِ التَّبَعِ

‏(‏وإن تكن شجرة بموضع‏)‏ من الأرض ‏(‏جاز اكتراؤها‏)‏ أي اشتراط ثمرتها ‏(‏بحكم التبع‏)‏ لكراء الأرض كما مر تفصيله في قوله‏:‏ وشرط ما في الدار من نوع الثمر إلى قوله‏:‏ وغير بادي الطيب إن قل اشترط الخ‏.‏ وهذا مبني على أن التابع يعطي حكم متبوعه أنه لا قسط له من الثمن، وأما على أنه يعطي حكم نفسه فلا إشكال أن له حصة من الثمن وعليه فلا يجوز اشتراطها لما فيه من شراء الثمرة قبل بدو صلاحها بل وقبل وجودها قاله ‏(‏م‏)‏‏.‏

تنبيه‏:‏

قال في الجواهر‏:‏ وإذا استأجر أرضاً ليزرع فيها صنفاً سماه فله أن يزرع فيها غيره مما هو أقل ضرراً بالأرض لا ما ضرره أكثر فإن استأجرها للقمح أو غيره فزرع ما هو أضر بالأرض منه فللمالك القلع في الحال، فإن لم يقلع حتى مضت المدة فله أخذه بالكراء الأول وما بين القيمتين اه‏.‏ وفي المدونة أن الشعير أضر من القمح، وفي المتيطية يجوز أن يكتري الأرض ليزرع فيها ما شاء ولا كلام لربها بعد ذلك، فإن قال ليزرعها وسكت عما يزرع فيها فذلك جائز ولا يزرع فيها إلا ما يشبه أن يزرع في مثلها، فإن شرط أن يزرعها شعيراً فلا يزرعها إلا ذاك أو ما مضرته كمضرة الشعير أو أقل، فإن زرعها ما هو أضر بها فلربها كراء الشعير وقيمة زيادة الضرر اه‏.‏ وقوله‏:‏ فلربها كراء الشعير الخ‏.‏ يعني إذا مضت مدة الزراعة وإلاّ فربها مخير كما مر عن الجواهر، وهذا بمنزلة من اكترى راحلة ليحمل عليها شيئاً فأراد أن يحمل عليها غيره المشار له بقول ‏(‏خ‏)‏‏:‏ وفعل المستأجر ومثله ودونه لا أضر الخ‏.‏ وقوله‏:‏ حتى مضت المدة يعني حتى فات إبان الزراعة‏.‏ ابن عرفة‏:‏ وحال المكتري في حرثه الأرض كحال مسألة من حرث أرض غيره بغير إذنه‏.‏

وحاصلها، إن قام ربها في الأبان وأقر الحارث بالعداء فلربها أمره بقلعه إن كان ينتفع به، ولا يجوز له أخذه بقيمته مقلوعاً لأنه بيع له قبل بدو صلاحه، وأجازه التونسي وهو خلاف مذهبها وإن لم ينتفع به فلربها أخذه مجاناً، وإن ادعى حرثها بغير اكتراء منه لكن بعلمه وحضوره وهو لا يغير ولا ينكر، فإن حلف ربها على نفي العلم فكما مرّ، وإن نكل حلف الحارث وبقي له زرعه ولربها كراء المثل وإن ادعى حرثها باكتراء منه فإن حلف ربها على نفيه فكما مر وإن نكل حلف الحارث لقد أكراها منه بكذا كان ما ادعاه من الكراء قليلاً لا يشبه أو كثيراً أكثر من كراء المثل، وإنما كان القول قوله حيث ادعى ما لا يشبه لأن ربها قد مكنه من ذلك بنكوله‏.‏ هذا هو المشهور وإن ادعى أنه اكتراها منه وأنه حرثها بعلمه حلف ربها على نفيهما وخير في أخذه بما أقر به من الكراء وأخذه أرضه ويأمره بقلع زرعه إن انتفع به، وإن لم يكن له به منتفع أخذه رب الأرض مجاناً ولا يجوز تركه للمكتري بما أقر به من الكراء ولا بكراء المثل لأنه بيع له بما يأخذه من الكراء، وإن نكل حلف الحارث فإن نكل أخذ رب الأرض أرضه، ولو قال رب الأرض أحلف أني ما علمت بحرثه ولا أحلف أنه ما اكترى مني لم يمكن من ذلك إلا أن ينكل الحارث عن اليمين ثم قال‏:‏ ولو قام بعد الأبان فإن صدقه أنه لم يكن منه كراء فله كراء المثل دون يمينه ادعى حرثه بحضوره وعلمه أم لا‏.‏ وإن ادعى أنه أكراها منه لا أنه حرثها بعلمه حلف ربها، وأخذ كراء المثل فإن نكل حلف الحارث على ما ادعى من الكراء اه‏.‏ وقوله‏:‏ وأجازه التونسي الخ‏.‏ يعني لأن التونسي قال‏:‏ الأشبه أن يجوز لرب الأرض شراء ما فيها قبل بدو صلاحه لأن الأرض ملك له فصار مقبوضاً بالعقد وما يحدث فيه من نماء إنما هو في ضمان مشتريه لكونه في أرضه، وإنما منع النبي ‏(‏صلى الله عليه وسلم‏)‏ من بيع الثمار قبل بدو صلاحها لكون ضمانها من البائع لأنها في أصوله، وعلى هذا التعليل أجاز عبد الملك شراء جنان فيه ثمرة بقمح أو بجنان آخر فيه ثمرة تخالفها لأن كل ثمرة مقبوضة‏.‏ قال العبدوسي‏:‏ وأخذ الشيوخ مما قاله التونسي جواز شراء صاحب الزرع نصيب الخماس قبل بدو صلاحه لأنه قابض له بنفس الشراء وعلى مذهبها فلا، وقياس التونسي لا يعول عليه لأنه قياس مع وجود النص من الشارع صلوات الله وسلامه عليه على منع ما لم يبد صلاحه اه‏.‏

ومُكْتَرٍ أرْضاً وبَعْدَ أَنْ حَصَدْ *** أصَابَ زَرْعَهُ انْتِثَارٌ بالبَرَدْ

‏(‏ومكتر أرضاً‏)‏ فزرعها ‏(‏وبعد أن‏)‏ طاب زرعها وقبل أن يحصده المكتري أو بعد أن ‏(‏ حصد‏)‏ ه وجعله قثاء في الفدان أو الأندر ‏(‏أصاب زرعه‏)‏ في الحالتين ‏(‏انتثار بالبرد‏)‏ ونحوه‏.‏

فَنَابِتٌ بَعْدُ مِنَ المُنْتَثِرِ *** هُوَ لِرَبِّ الأرْضِ لا للْمُكْتَري

‏(‏فنابت بعد‏)‏ في السنة القابلة ‏(‏من‏)‏ ذلك الزرع ‏(‏المنتثر هو لرب الأرض‏)‏ المالك للفدان أو الأندر ‏(‏لا للمكتري‏)‏ على الأصح، وهو مذهب ابن القاسم في العتبية، وقيل‏:‏ يكون لزارعه وعليه لرب الأرض كراؤها كما إذا تمت السنة وله زرع أخضر، وظاهر النظم أنه لرب الأرض ولو انتثر كله بالبرد وهو كذلك ففي سماع عيسى‏:‏ من اكترى أرضاً فزرعها فلما استحصد زرعه أتاه برد أسقط حبه كله في الفدان فأخلف فهو لرب الأرض لا للمكتري لأن سنته قد انقضت كقول مالك فيمن جر السيل زرعه لأرض غيره فنبت، ابن رشد القياس صحيح، ولا فرق بينهما لأن البذر مستهلك في كلتا الحالتين لا يقدر صاحبه على أخذه من أرض غيره، ومعنى قوله في المدونة‏:‏ جر السيل زرعه أي بذره لقوله‏:‏ فنبت لأن الزرع لا يقال فيه نبت اه‏.‏ وإلى المسألتين أشار ‏(‏خ‏)‏ بقوله‏:‏ وإن انتثر للمكتري حب فنبت قابلاً فهو لرب الأرض كمن جره السيل إليه الخ‏.‏ والضمير في قوله جره يعود على الحب أي البذر، وأما إذا جره إليه بعد نباته فقيل‏:‏ هو لرب الأرض أيضاً، وظاهر الشامل أنه المشهور، وقيل هو لزارعه ورجحه الرهوني في حاشيته مستدلاً على ذلك بأنقال، ولكن لا يظهر منها ما أشار له من الترجيح لمن تأمل وأنصف والله أعلم‏.‏ ولا مفهوم لقول الناظم بالبرد، بل لو انتثر بسبب الحصاد لكان لرب الأرض أيضاً‏.‏ أبو الحسن‏:‏ اتفاقاً لأن شأن الحصاد أن ينتثر منه الحب والعادة أن من تركه لا يعود إليه أي‏:‏ فلا يجري فيه الخلاف الجاري في المنتثر بالبرد، ومفهوم قوله‏:‏ انتثار أنه إذا زرع ولم ينبت في سنة بذره ونبت في السنة القابلة أن الزرع لا يكون للمكتري بل لربه وهو كذلك وعليه كراؤه وكراء العام الذي لم ينبت فيه إن كان لغير عطش قاله ‏(‏ز‏)‏ وأصله لابن بشير فإن زرع في أرضه خلاف ذلك النوع فنبتا معاً فلكل زرعه إن عرف وتبعيض الكراء عليهما انظر الشامل وشرحه‏.‏ ومفهوم قوله‏:‏ فنابت أنه إذا أنجر إليها حب من الأندر ولم ينبت بل لا زال على وجه الأرض فلربه أخذه ولا يكون لرب الأرض، وأما الشجر يجره السيل لأرض الغير فينبت فيها فليس حكمه حكم الزرع، بل ينظر فإن كانت إن وقعت وردت إلى أرضه نبتت فيها فله قلعها وإلاَّ فللآخر دفع قيمته حطباً أو أمره بقلعه قاله سحنون‏.‏

تنبيه‏:‏

من اشترى قصب فول ليوقده فنزل المطر فحيي القصب واخضر وأثمر فولاً فهل هو للمشتري أو لربه‏؟‏ قال في صدر معاوضات المعيار عن الفقيه الجعد‏:‏ أنه يفسخ البيع ويكون الفول لرب القصب ويرد الثمن اه‏.‏ باختصار‏.‏

قلت‏:‏ الجاري على ما تقدم أنه إن حيي القصب نفسه فثمره للمشتري وعليه لرب الأرض كراء المثل مدة بقائه بعد عقد الشراء فيه لأنه إنما اشتراه ليأخذه في الحين فتركه حتى أثمر يوجب الكراء عليه ولا وجه لفسخ البيع فيه، وإن كان القصب حيي من غير أصوله فلا إشكال حينئذ أن ثمره لرب الأرض ولا يفسخ البيع أيضاً لأن القصب المشترى لا زال يابساً يجزه مشتريه ويأخذه فتأمله والله أعلم‏.‏

وَجائِزٌ كِراءُ الأرْضِ بالسَّنَه *** وَالشّهْرِ في زَرَاعَةٍ مُعيِّنه

‏(‏وجائز كراء الأرض بالسنة‏)‏ مسانهة ككل سنة بكذا أو معينة كهذه السنة كما مر في كراء الدور، ثم إن عينت وحدت باثني عشر شهراً أو بستة أشهر مثلاً فواضح أنها لا تنقضي إلا بتمامها وإن لم تحد، وإنما قال‏:‏ أكتري منك أرضك هذه السنة أو السنة التي بعد هذه فإن كانت أرض مطر فتتم السنة فيها بالحصاد للزرع الذي اكتريت له كانت تزرع مرة في السنة أو مراراً ولا ينتظر مرور الاثني عشر والحصاد في كل شيء بحسبه أي بحصده أو قطعه أو جذه أو رعيه كالزرع والبرسيم واللفت والكمون ونحو ذلك، فلو كان مما يخلف بطوناً فتتم السنة فيها بآخر بطن، وإن كانت أرض سقي فتتم فيها بالشهور الاثني عشر، فإن تمت الشهور المعينة أو التي لم تعين حيث كانت أرض سقي وله فيها زرع أخضر فيلزم رب الأرض أن يبقيه فيها إلى تمام طيبه، وعلى المكتري كراء المثل فيما زاد على تلك الشهور، وقيل من حساب الكراء الأول ‏(‏خ‏)‏‏:‏ والسنة في المطر بالحصاد، وفي السقي بالشهور فإن تمت وله زرع أخضر فكراء مثل الزائد الخ‏.‏‏.‏‏.‏ وظاهره أن عليه كراء المثل في الزائد ولو علم عند الزراعة أن الزرع إنما يتم بعد السنة بكثير وهو كذلك على المعتمد قاله ‏(‏ز‏)‏‏.‏ قال ‏(‏م‏)‏‏:‏ ومن اكترى داراً أو حانوتاً أو غيرهما لمدة معينة فتمضي ويبقى المكتري ساكناً على المساكنة فيجري حكمه على ما تقدم فالجاري على المشهور أنه يلزمه كراء مثل الزائد، وقيل من حساب الكراء الأول واستظهرت أن له في هذه بحساب الكراء الأول‏.‏

قلت‏:‏ وهو ما عليه الناس اليوم لأن رب الأرض في الأولى مجبور على بقاء الزرع في أرضه وفي هذه لا جبر على رب الدار والحانوت ونحوهما فتركه ساكناً بعد انقضاء المدة رضاً منه أن له بحساب الأول واستمرار المكتري ساكتاً رضا منه أيضاً بدفع ذلك والله أعلم‏.‏

‏(‏والشهر‏)‏ أي وجائز الكراء لشهر معين أو كل شهر بكذا، ثم إذا كان كل من السنة والشهر معيناً كهذه السنة أو هذا الشهر فلا إشكال في لزوم الكراء بالعقد وليس لأحدهما الانحلال إلا برضا صاحبه، إن كان كل منهما غير معين ككل شهر بكذا أو كل سنة بكذا فلا يلزم بالعقد ولكل الانحلال ما لم يحرث المكتري كما مر في كراء الدور وأول السنة أو الشهر من حين العقد إن كانت خالية من مزروع، وإلاَّ فمن يوم تخلو منه، وهذا إذا كانت تزرع في السنة كلها وإلاَّ فأولها وقت الزراعة ‏(‏في زراعة معينة‏)‏ أي لا بد من تعيين ما يزرعه فيها حيث لم يكن عرف، وكأن بعض المزروع أضر من الآخر كما مر عن الجواهر‏.‏

ومُتَوالِي القَحْطِ والأمْطَار *** جائِحةُ الكِراءِ مثْلُ الفَارِ

‏(‏وبتوالي القحط والأمطار‏)‏ خبر عن قوله ‏(‏جائحة الكرا‏)‏ ء وقوله ‏(‏ومثل الفار‏)‏ بالجر عطف على بتوالي ومعناه أن من اكترى أرضاً للزراعة فتوالى إلى القحط عليها أي عدم المطر ولو بعد زراعتها في الأبان أو توالي المطر عليها فغرقت حتى فات أبان حراثتها، أو هلك زرعها النابت فيها بدود أو فار، أو وقعت فتنة منعته من زراعتها فإن ذلك كله جائحة توجب سقوط الكراء عن المكتري كما قال‏:‏

ويَسْقُط الكِراءُ إمَّا جُمْلَهْ *** أَوْ بِحِسَابِ ما الفَسَادُ حَلَّهْ

‏(‏ويسقط الكراء‏)‏ بما ذكر من القحط وما بعده ‏(‏إما جمله‏)‏ وذلك إذا أجيح الزرع كله ‏(‏أو‏)‏ يسقط منه ‏(‏بحساب ما الفساد حله‏)‏ حيث لم يجح جميعه، وظاهره ولو قل المجاح فإنه يسقط عنه بحصته وهو كذلك وليس ذلك كجائحة الثمار، وأما إن أجيح الجل وسلم القليل كخمسة أفدنة أو ستة من مائة فدان فإنه لا كراء عليه أصلاً كما قال ‏(‏خ‏)‏‏:‏ عكس تلف الزرع لكثرة دودها أو فارها أو عطش أو بقي القليل الخ‏.‏ وظاهر كلام ابن يونس وغيره أنه لا فرق بين أن تكون الفدادين السالمة القليلة في ناحية واحدة أو في نواح متفرقة‏.‏ وقال اللخمي‏:‏ إنما يسقط عنه الكراء جملة إذا كانت متفرقة لأن كثيراً من الناس لا يتكلف جمعها، وأما إن كانت مجتمعة في ناحية فعليه من الكراء ما ينوبها‏.‏

وَلَيْسَ يَسْقُطُ الكِرَا في مُوجَدِ *** بِمِثْلِ صَرٍ أَوْ بِمِثْلِ بَرَدِ

‏(‏وليس يسقط الكرا في‏)‏ أي بسبب ‏(‏موجد‏)‏ بفتح الجيم ‏(‏بمثل صر‏)‏ وهو البرد الشديد أو الحر الشديد ‏(‏أو بمثل برد‏)‏ وهو مطر منعقد وأدخل لفظ مثل الطير والجليد والغاصب والسارق والجيش والجراد لكن محل عدم جائحة الجراد إنما هو إذا أتى بعد أبان الحراثة وإلا بأن أتى في أبانها فمنعته من الزراعة خيفة أن يؤذي هو أو ولده ما يخرج منها فلا كراء عليه قاله الباجي وغيره‏.‏ ومحل عدم السقوط بما ذكره من البرد وما معه إذا لم تقحط السماء، وأما إمن أجيح بشيء مما ذكر فقحطت السماء حتى إنه لو لم يجح لم يتم الزرع لأجل القحط فإنها لا تسقط كما أفتى به ابن رشد، وقال البرزلي‏:‏ وكذا لو استهلك شخص زرعها ثم أصابه قحط بحيث لو بقي لهلك ذلك الزرع بالقحط فإنه لا يضمن قيمة الزرع على الرجاء والخوف، وإنما سقط الكراء بالقحط والغرق والفار ولم يسقط بالبرد وما معه، لأن هذه عاهة لا سبب للمكري فيها من قبل مائه ولا من قبل أرضه، فذلك كغاصب غصب الزرع خاصة بخلاف القحط وما معه فإن لأرضه سبباً فيه والقحط والفار جائحة مطلقاً بخلاف الغرق، فإنما هو جائحة إذا كان في الأبان فإن زال قبل فوات الأبان أو حدث بعده لزمه الكراء كما قال ‏(‏خ‏)‏‏:‏ أو غرق بعد وقت الحرث أو عدمه بذراً‏.‏

تنبيه‏:‏

إذا أصابته الجائحة فلا حق للمكتري في قليلها كما يأتي في المزارعة، والله أعلم‏.‏

فصل في أحكام من الكراء

لو قال في كراء العروض وأحكام من الكراء لأنهما المذكوران في هذا الفصل لوفى بالمراد‏.‏

والعَرْضُ إنْ عُرِفَ عيناً فالكِرا *** يَجُوزُ فيهِ كالسُّروجِ وَالفِرَا

‏(‏والعرض إن عرف عيناً‏)‏ تمييز محول عن النائب أي إن عرفت عينه بحيث لا يلتبس رده برد مثله ‏(‏فالكرا يجوز فيه كالسروج‏)‏ للدواب ‏(‏والفرا‏)‏ بكسر أوله وبالمد وقصره ضرورة جمع فرو بفتح الفاء وسكون الراء، قال في الخلاصة‏:‏ فعل وفعلة فعال لهما‏.‏ قال الجوهري‏:‏ الفرو الذي يلبس والجمع الفراء نقله ‏(‏م‏)‏ أي‏:‏ وهو ثوب معلوم يلبسه أهل مصر وغيرهم، ومفهوم الشرط أن العرض الذي لا يعرف بعينه كقدور الفخار يسودها الدخان حتى لا تعرف بعينها لا يجوز كراؤها، وهو كذلك على ما لابن العطار وابن الفخار، ونقله في ضيح مسلماً، واقتصر عليه في الشامل وابن سلمون قائلاً‏:‏ لا تجوز فيما لا يعرف بعينه كالدراهم والدنانير وقدور الفخار اه‏.‏ وظاهر المدونة جواز كرائها كانت تعرف بعينها أم لا‏.‏ وهو ظاهر إطلاق ‏(‏خ‏)‏ أيضاً حيث قال‏:‏ وإجارة ماعون كقصعة وقدر الخ‏.‏ ابن ناجي‏:‏ ويجاب بأن قولها عام قابل للتخصيص فيقال معناه فيما يعرف بعينه اه‏.‏ وعليه فيخصص كلام ‏(‏خ‏)‏ بذلك أيضاً، لكن لا يظهر وجه لما قاله ابن العطار ومن وافقه من منع كرائها والتعليل بكونه قد يرد مثلها فيكون سلفاً جر نفعاً لا يتم لأنه إن كان النفع هو عين الأجرة فيتهمان على قصد السلف لأخذ الأجرة‏.‏ قلنا‏:‏ كذلك إذا كان العرض يعرف بعينه لأن العرض يجوز فيه رد العين المستقرضة فيكون سلفاً بمنفعة أيضاً، فما لزم على العرض الذي لا يعرف بعينه يلزم على غيره، ولعله لذلك ضعف شراح ‏(‏خ‏)‏ قول ابن العطار الذي درج عليه الناظم، وتمسكوا بظاهر المدونة و‏(‏خ‏)‏ وقالوا‏:‏ إنه المعتمد المشهور والفرق بين الدنانير والقدور التي لا تعرف أن الدنانير والدراهم لا ينتفع بها إلا باستهلاك عينها فتحقق فيها السلف بنفع بخلاف القدر والله أعلم‏.‏

ومُكْترٍ لِذاكَ لا يَضْمَنُ ما *** يَتْلَفُ عِنْدَهُ سِوَى أنْ ظَلَمَا

‏(‏ومكتر لذاك‏)‏ العرض ‏(‏لا يضمن ما يتلف عنده‏)‏ منه ‏(‏سوى أن ظلما‏)‏ بفتح الهمزة أي إلا أن يظلم بتعد أو تفريط باعترافه أو بالبينة عليه فيضمن حينئذ، وظاهره أنه لا ضمان عليه مع عدم التفريط ولو شرط عليه الضمان وهو كذلك كما يأتي النص بذلك في فصل كراء الرواحل، وأما إن لم يثبت تعديه ولا تفريطه‏.‏

وهْو مُصَدَّقٌ مَعَ اليَمِين *** وإنْ يَكُنْ مَنْ لَيْسَ بالمأْمُونِ

‏(‏فهو مصدق مع اليمين‏)‏ لقد ضاع وما أخفاه وأن ضياعه لم يكن بتعد منه ولا تفريط‏.‏ هذا إذا كان مأموناً بل ‏(‏وإن يكن‏)‏ المكتري ‏(‏من‏)‏ بفتح الميم ‏(‏ليس بالمأمون‏)‏ فإنه يصدق أيضاً لأنه لما أكراه منه فقد أمنه عليه، ثم إذا صدق في الضياع بيمينه فإنه يلزمه الكراء كله على المشهور، وقول ابن القاسم‏:‏ إلا أن يأتي ببينة على وقت الضياع فإذا ادعى تلفها قبل انقضاء مدة الكراء وثبت ذلك ببينة أو ثبت أنه نشدها في ذلك الوقت وحلف على ما ذكر سقط عنه الضمان، ويغرم من الكراء بقدر ما انتفع إلى وقت التلف، وقيل‏:‏ إنه مصدق في الضياع، وفي الوقت الذي ضاع فيه ولا يلزمه من الكراء إلا بقدر ما انتفع‏.‏ ابن يونس‏:‏ وجه قول ابن القاسم أن الأشياء المستأجرة يصدق مكتريها في ضياعها ولا يصدق في دفع كرائها وزواله من ذمته إلا ببينة، فلما اجتمعا في هذه المسألة أجرى كل على أصل بابه فيرفع عنه الضمان وإغرامه الكراء إلا أن يقيم بينة بما يوجب رفع الكراء عنه، ووجه قول غيره أنه لما صدقه في الضياع كان ذلك كقيام البينة عليه فوجب أن يسقط عنه كراء ما زاد على الوقت الذي ادعى الضياع فيه وهو الصواب اه باختصار‏.‏ وقوله‏:‏ إن الأشياء المستأجرة الخ‏.‏ يشمل حتى الدابة إذا ادعى ضياعها في أثناء المسافة فإنه لا يضمنها ويلزمه جميع الكراء على المشهور إلا أن يأتي ببينة على وقت الضياع‏.‏ ابن سلمون‏:‏ ولا ضمان على المكتري فيما يتلف عنده من الحلى والثياب وغير ذلك إلا أن يتعدى أو يفرط، ومن اكترى ثوباً يلبسه فسقط عليه شيء أفسده فهو ضامن، وكذلك إن سقط من يده على جليسه فإن ادعى أنه ضاع أو سرق فالقول قوله بيمينه ويغرم الكراء كاملاً إلا أن تقوم بينة أنه ادعى تلفها قبل مدة الكراء ونشدها إذ ذاك فيغرم من الكراء بقدر ما انتفع، وكذلك يصدق في رد ذلك إلى صاحبه مع يمينه إلا أن يكون قبضه بإشهاد فلا يبرأ إلا به، ومن ادعى في حلى ضاع عنده أنه استأجره وقال ربه‏:‏ بل أعرته إياك فإن كان رب الحلى مثله ممن يكريه فالقول للذي ضاع عنده وإلاَّ فالقول لرب الحلى أنه أعاره ويلزم الآخر ضمانه كما قال‏:‏ قرض والآخر قراض اه باختصار‏.‏ ونحوه في نوازل العارية من المعيار، وانظر مسألة من ضلت له دابة من دواب اكتراها فتبعها فوجد الأخرى قد ضاعت في فصل كراء الرواحل الآتي‏.‏

والمُكْتَرِي إنْ ماتَ لَمْ يحِنْ كِرَا *** واسْتُؤْنِفَ الكِراءُ كَيْفَ قُدِّرا

‏(‏والمكتري‏)‏ داراً سنة أو دابة وجيبة بعشرة مثلاً ‏(‏إن مات‏)‏ أو فلس قبل أن يسكن أو سكن بعض المدة ‏(‏لم يحن كرا‏)‏ ء أي لم يبلغ حينه أي لم يحل عليه بالفلس أو الموت إذ لا يحل عليه شيء لم يقبض عوضه الذي هو المنفعة، فإذا اكترى ذلك لسنة وسكن ستة أشهر ثم مات أو فلس فإنما يحل عليه كراء الأشهر الستة الماضية دون الباقية، وإذا مات أو فلس قبل السكنى لم يحل عليه شيء ابن رشد‏:‏ هذا أصل ابن القاسم لأنه لا يرى قبض أوائل المنافع قبضاً لأواخرها، وعلى هذا فإذا كان على المكتري ديون فإن رب الدار إنما يحاصص بكراء ما سكن المكتري فقط، ويأخذ داره في الفلس ويتنزل الورثة منزلته في الموت لأن من مات عن حق فلوارثه، فإذا أرادوا أن يلتزموا الكراء في أموالهم فلهم ذلك إلا أن يقول رب الدار‏:‏ لا أرضى بذممهم فيكون له الفسخ، وإن لم يلتزموا الكراء في أموالهم فالحكم أن تكرى الدار لما بقي من المدة المضروبة مع الميت فإن نقص عن العشرة التي وقع الكراء بها للميت وقف من التركة قدر النقصان كما قال‏:‏ ‏(‏واستؤنف الكراء‏)‏ للدار في المدة أو ما بقي منها ‏(‏ كيف قدرا‏)‏ أي بما أمكن من قليل أو كثير‏.‏

حَيْثُ أَبَى الوارِثُ إتْمامَ الأمَدْ *** واسْتَوْجَبُو أَخْذَ الْمَزِيدِ في العَدَدْ

‏(‏حيث أبى الوارث إتمام الأمد‏)‏ على أن الكراء في ذمتهم، ومفهومه أنهم إذا أرادوا إتمام المدة على أن الكراء في ذمتهم لكان لهم ذلك كما مر ‏(‏واستوجبوا‏)‏ أي استحقوا ‏(‏أخذ المزيد في العدد‏)‏ الذي اكتريت به للميت كما لو اكتريت في المثال المذكور بخمسة عشر فالخمسة لهم‏.‏

والنَّقْصُ بَيْنَ العَدَدَيْن إنْ وُجِدْ *** لهُ وَفَاءٌ مِن تُرَاثِ مَنْ فُقِد

‏(‏والنقص بين العددين إن وجد‏)‏ كما لو اكتريت بثمانية ‏(‏له‏)‏ أي لذلك النقص ‏(‏وفاء من تراث من فقد‏)‏ أي مات فيؤخذ من التركه قدر النقصان ويدفع للمكري عند وجوبه له، وبالجملة إذا أبى الورثة من إتمام المدة على أن الكراء في ذمتهم فإن الدار تكرى بما أمكن من قليل أو كثير والزيادة لهم والنقصان يوقف من التركة بقدره إن كان فيها وفاء به، ويدفع للمكري عند انقضاء المدة فإن لم يكن فيها وفاء به فقد ضاع الباقي على المكري لعدم وجود من يرجع به عليه هذا كله في الموت‏.‏

وأما في الفلس فللمكري أخذ داره كما مرّ، وما ذكره الناظم تبع فيه ابن رشد في فتواه بذلك، والمشهور خلافه ‏(‏خ‏)‏‏:‏ وحل به وبالموت ما أجل ولو دين كراء الخ‏.‏ وإذا قلنا بالمشهور وإنه يحل غير المستوفي منفعته ففي الموت يبقى الكراء لازماً للمكري والورثة ويحاصص المكرى به إن كانت عليه ديون ولا خيار له، وأما في الفلس فيخير المكري بين أن يسلم المنفعة للغرماء ويحاصص بالكراء، وبين أن يرجع في عين شيئه كله إن لم يستوف بشيء من المنفعة، فإن استوفى بعضها حاص بما يقابل ما استوفى منها ويخير فيما إذا لم يستوف في الرجوع فيما بقي من المنفعة وفي إسلامه والمحاصة بما ينوبه من الكراء، فإذا اكتراها سنة مثلاً باثني عشر ديناراً ونقده ستة دنانير وسكن ستة أشهر وفلس، فإنه يخير في إسلامه بقية السكنى ويحاصص بالستة دنانير الباقية، وأخذ بقية السكنى ورد منابها مما قبض وحاص بما رد، فإن لم ينقده شيئاً فإنه يحاصص بما يقابل ستة أشهر التي سكنها من غير خلاف ويخير في الستة الباقية إن شاء رجع فيها، ويحاصص بما يقابل الستة المسكونة فقط، وإن شاء أسلمها وحاص بما يقابلها أيضاً، ويأخذ ما نابه في الحصاص معجلاً على المنصوص في المدونة، وهو المشهور فمحل الخلاف والتشهير إنما هو فيما لم تستوف منفعته، وأما ما استوفيت منفعته فمحل اتفاق‏.‏ فرع‏:‏ إن باع صاحب الدار داره بعد عقد الكراء فيها وقبل انقضاء مدته فإما أن يبيعها من المكتري أو أجنبي، فإن باعها من أجنبي فإن لم يعلم بالكراء فهو عيب إن شاء رد أو تمسك، وإن علم به فلا رد له ولا كراء إلا أن يشترطه وإن اشترطه، فإن وجب الكراء للبائع أو بعضه بمضي المدة فلا خلاف في المنع إذا بيعت الدار بذهب وهو ذهب ولا بالورق على قول ابن القاسم إلا أن يكون الثمن نقداً، ويكون أقل من صرف دينار وإن لم يجب شيء من الكراء على المشتري للبائع المذكور لكونه لم يمض من المدة شيء واشترطه في العقد، ففي جوازه قولان‏.‏ فابن رزقون يجيزه ووافقه غيره، ابن رشد‏:‏ وهو الأصح، ومنهم من منعه ونسبه لابن القاسم في الدمياطية، ومنهم من قال‏:‏ هو للمبتاع اشترطه أم لا‏.‏ وأما إن باعها من المكتري فقال أبو بكر بن عبد الرحمن وأبو عمران الفاسي‏:‏ هو جائز وهو فسخ لما تقدم من الكراء في قول ابن عبد الرحمن، ولما بقي من المدة من قول أبي عمران بن سهل، وجواب أبي بكر أميل إلى الصواب اه‏.‏ ونقله ابن سلمون إثر ما ذكره الناظم، وكذا نقله ‏(‏ح‏)‏ مع زيادة عند قول ‏(‏خ‏)‏ في الإجارة واستئجار مؤجر الخ‏.‏ فانظر‏.‏ ثم ما تقدم في الأجنبي إنما يقول إذا ثبت عقد الكراء فيها قبل بيعها ببينة، وأما إذا لم تقم بينة وإنما أقر ربها بعقد الكراء فيها قبل بيعها فإن قوله لا يمضي على المشتري لأن ربها يتهم على فسخ البيع فيها كما أشار له ‏(‏خ‏)‏ في الإجارة بقوله‏:‏ لا بإقرار المالك الخ‏.‏ وانظر شرح الشامل عند قوله‏:‏ أواخر الإجارة، ولا تنفسخ الإجارة بإقرار ربها ببيعها ونحوه الخ‏.‏ وانظر الكراس الخامس من بيوع مختصر نوازل البرزلي فيمن باع سلعة بعد بيعها من آخر، فقد أطال فيها‏.‏ ومثله إذا واجرها ثم باعها، وأنه إذا ثبت ذلك ببينة فهي للأول مطلقاً، وبه تعلم أن ما في معاوضات المعيار عن ابن أبي زمنين من أنها للأول إلا أن يقبضها الثاني، ويحلف أنه غير عالم بشراء الأول فيكون له خلاف الأصول لأن العاقد هنا متحد وبسبب اتحاده لا يتصور فيه أنه غير عالم بالبيع الأول، فلا يصح قياسها على ذات الوليين ولا على قول ‏(‏خ‏)‏ في الوكالة‏:‏ وإن بعت وباع فالأول إلا لقبض الخ‏.‏ فلا تغتر بما لابن أبي زمنين، وقد ذكر ‏(‏ح‏)‏ في الضمان عند قوله‏:‏ ولم يبعد إثباته أن من أخذ كفيلاً بدينه فأقام شخص آخر ببينة أنه كان استأجره قبل ذلك أن الإجارة أولى به، ولا يحبس في الدين، وما ذاك إلا لأنه باع منافعه أولاً من زيد فلا عبرة بما يعقده ثانياً مع عمرو مما يؤدي إلى إبطال حق الأول، وذكر في موت أحد الظئرين عن اللخمي‏:‏ أن الظئر إذا ثبت أنها تكفلت قبل الإجارة ووجب سجنها سجنت، وإن تكفلت بعد الإجارة لم تسجن‏.‏

وفي امْرِىءٍ مُمَتَّعٍ في المَالِ *** يَمُوتُ قَبْلَ وَقْتِ الاسْتِغْلاَلِ

‏(‏وفي امرىء‏)‏ خبر مقدم عن قوله قولان بعده ‏(‏ممتع في المال‏)‏ أي متعته زوجته بعد عقد النكاح بأرض يحرثها مثلاً على أنه لم يشترط عليها ذلك التمتيع أو انطوت ضمائرهما عليه في العقد، وإلاَّ فسد النكاح كما مرّ في قوله‏:‏

ويفسد النكاح بالإمتاع في عقدته وهو على الطوع اقتفي ‏(‏يموت‏)‏ صفة بالجملة بعد المفرد ‏(‏قبل وقت الاستغلال‏)‏ الذي هو طيب الزرع وحصاده وبعد الزراعة‏.‏

وقامَتِ الزَّوْجَةُ تَطْلُبُ الكِرا *** قَوْلاَنِ والفَرْقُ لِمَنْ تَأَخَّرَا

‏(‏وقامت الزوجة تطلب الكرا‏)‏ الواجب لأرضها في الأيام الباقية بعد موت الزوج إلى طيب الزرع لأنها إنما متعت الزوج لا ورثته ‏(‏قولان‏)‏ أحدهما لا كراء لها‏.‏ وهو قول ابن حبيب في العمرى التي هي كالتمتيع في هبة المنفعة لمدة مجهولة تنتهي بوقوع أمر مجهول الوقت، فلا فرق بين أن يسكنه عمره أو حياة فلان، أو إلى قدومه، أو يمتعه كذلك فما قيل في أحد هذه الوجوه يقال في بقيتها كما في ‏(‏م‏)‏‏.‏ والقول الثاني لها ما ينوبها من كراء الجملة في المدة التي بين الموت والطيب، وهو لابن حبيب عن غيره‏.‏ قال الشارح‏:‏ ووجهه ظاهر‏.‏ ‏(‏و‏)‏ ثالثها ‏(‏الفرق‏)‏ بين أن يموت بعد فوات أبان الزراعة فلا كراء لها أو قبل فواته فلها الكراء، وهذا القول ‏(‏ل‏)‏ بعض ‏(‏من تأخرا‏)‏ وهو محمد بن بكر شيخ أبي سعيد كما يأتي، ثم ذكر الناظم أن القول بمنعها من الكراء هو الظاهر، وأن شيخه أبا سعيد بن لب رحمه الله رجحه فقال‏:‏

وحالَةُ المَنْع هِيَ المُسْتَوْضَحَة *** وَشَيْخُنا أبُو سعيدٍ رَجّحَه

‏(‏وحالة المنع‏)‏ من الكراء ‏(‏هي المستوضحة‏)‏ الظاهرة ‏(‏وشيخنا أبو سعيد‏)‏ وهو فرج بن قاسم بن لب الثعلبي الأندلسي شيخ شيوخ غرناطة وخطيب جامعها الأعظم انفرد برئاسة العلم، وكان إليه المفزع في الفتوى كتب إليه بعض ملاعين اليهود ما نصه‏:‏

أيا علماء الدين ذمي دينكم *** تحير دلوه بأوضح حجة

اذا ما قضى ربي بكفري بزعمكم *** ولم يرضه مني فما وجه حيلتي

قضى بضلالي ثم قال ارض بالقضا *** فها أنا راض بالذي فيه شقوتي

دعاني وسد الباب دوني فهل إلى *** دخولي سبيل بينوا لي قصتي

إذا شاء ربي الكفر مني مشيئة *** فهل أنا عاص باتباع المشيئة

وهل لي اختيار أن أخالف حكمه *** فبالله فاشفوا بالبراهين علتي

فأجابه أبو سعيد رحمه الله بنظم طويل حسبما في جامع المعيار وهذا منه‏:‏

قضى الرب كفر الكافرين ولم يكن *** ليرضاه تكليفاً لدى كل ملة

نهى خلقه عما أراد وقوعه *** وإنفاذه والملك أبلغ حجة

فنرضى قضاء الرب حكماً وإنما *** كراهتنا مصروفة للخطيئة

إلى أن قال‏:‏

دعا الكل تكليفاً ووفق بعضهم *** فخص بتوفيق وعم بدعوة‏.‏‏.‏‏.‏ الخ‏.‏

ومعنى قوله‏:‏ فنرضى قضاء الرب الخ‏.‏ أي‏:‏ نرضى بقضائه سبحانه من جهة حكمه ونكرهه من جهة كونه خطيئة، فالرضا بقضائه بالمعصية وحكمه بها مصروف لما مضى من الزمان، وبالنسبة للمستقبل يجب الإقلاع عنها وعدم الثبات عليها لأن المعصية لم يرض الله تعالى أن يتدين بها عباده، والإقلاع عنها في طوقهم قال تعالى‏:‏ ‏{‏ولا يرضى لعباده الكفر‏}‏ ‏(‏ الزمر‏:‏ 7‏)‏ وقال‏:‏ إنا كل شيء خلقناه بقدر‏}‏ ‏(‏القمر‏:‏ 49‏)‏ ‏(‏رجحه‏)‏ لأنه بحرث الأرض وزراعتها حاز منفعة السنة كلها، فلم يمت إلا والمنفعة في ملكه، ثم بين القول الثالث المتقدم في قوله‏:‏ والفرق لمن تأخر فقال‏:‏

وشَيْخُهُ مُحَمَّدُ بنُ بَكرِ *** إلى الوَفاةِ مَالَ عِنْدَ النَّظَرِ

‏(‏وشيخه‏)‏ أي شيخ أبي سعيد وهو القاضي أبو عبد الله ‏(‏محمد بن بكر‏)‏ بفتح الموحدة وتشديد الكاف المفتوحة ‏(‏إلى الوفاة مال عند النظر‏)‏ أي مال عند نظره في المسألة إلى اعتبار وقت الوفاة، ورجح اعتبار ذلك وقال به فالمجرور بإلى يتعلق بالنظر‏.‏

فإنْ تَكُنْ وَالاِزْدِرَاعُ قَدْ مَضَى *** إبَّانُهُ فَلاَ كِرَاءَ يُقْتَضَى

‏(‏فإن تكن‏)‏ الوفاة ‏(‏و‏)‏ الحال أن ‏(‏الازدراع قد مضى أبانه فلا كراء يقتضى‏.‏

وإنْ تَكُنْ وَوقْتُ الازْدرَاعِ *** باقٍ فمَا الكِرَاءُ ذُو امْتنَاعِ

وإن تكن ووقت الازدراع‏.‏ باق فما الكراء ذو امتناع‏)‏‏.‏ ووجه هذا القول الحمل على الاستحقاق، والظاهر أن القول الأول لا يخالف في هذا إلا أن يقال‏:‏ إن هذا ينظر لفوات الأبان وعدمه والأول ينظر للزراعة فإذا زرعها فلا كراء عليه ولو لم يفت الأبان والله أعلم‏.‏

وفي الطّلاَقِ زرْعُهُ لِلزَّارِعِ *** ثُمَّ الكِرَاءُ ما لَهُ مِنْ مَانِعِ

‏(‏وفي الطلاق‏)‏ يقع من الزوج الممتع بعد أن زرع الأرض، وقبل الطيب الثلاثة الأقوال المتقدمة اقتصر الناظم فيها على الثاني منها وهو أن ‏(‏زرعه للزارع‏)‏ وهو الزوج ‏(‏ثم الكراء‏)‏ لباقي المدة أي ما ينوبها من كراء الجملة ‏(‏ما له من مانع‏)‏ يمنع وجوبه على الزوج لأن التمتيع وقع في تحسين العشرة وليس بعد الطلاق عشرة يصانع عليها، فالأقوال الثلاثة التي في موت الزوج جارية في طلاقه، وباقتصار الناظم على وجوب الكراء هنا يعلم أن الراجح في الموت هو وجوبه أيضاً فحقه أن يقتصر عليه هناك أو يقول‏:‏ وحالة الكرا هي المستوضحة الخ‏.‏ فما رجحه أبو سعيد هنالك لا يخلو عن بحث كما قاله الشارح في موت الزوجة‏.‏ هذا كله إن طلق بعد الزراعة وإن طلق قبل أن يزرعها‏.‏

وخُيِّرَتْ في الْحرْثِ إلى إعْطاءِ *** قِيمَتِهِ والأخْذِ لِلْكِرَاءِ

‏(‏و‏)‏ بعد أن حرثها أي قلبها ‏(‏خيرت‏)‏ الزوجة ‏(‏في الحرث‏)‏ أي ‏(‏في إعطاء قيمته‏)‏ وتأخذ أرضها وفي تركه للزوج ‏(‏والأخذ للكراء‏)‏ واللام للتعدية كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فعال لما يريد‏}‏ ومصدقا لما معكم‏}‏ ‏(‏النساء‏:‏ 47‏)‏ وفي إعطاء بدل مما قبله هذا حكم موت الزوج وطلاقه، وأما إن ماتت الزوجة فهو قوله‏:‏

وَحَيْثُمَا الزَّوْجَةُ مَاتَتْ فالكِرا *** عَلَى الأصَحِّ لازِمٌ مَنْ عَمَّرَا

‏(‏وحيثما الزوجة‏)‏ التي متعت زوجها ‏(‏ماتت‏)‏ بعد الحرث وقبل الزراعة أو بعد الزراعة وقبل الطيب ‏(‏فالكرا‏)‏ ء كله في الأولى أو ما ينوب باقي المدة ‏(‏على الأصح لازم من عمرا‏)‏ الأرض وحرثها وهو الزوج لأنها إنما أمتعته منفعة ما تملكه، وقد زال ملكها بموتها، اللهم إلا أن يشاء وارثها في موتها بعد الحرث وقبل الزراعة أن يدفع لها قيمة حرثه فله ذلك كما مرّ في الطلاق، ومقابل الأصح قولان عدم لزوم الكراء أصلاً والفرق بين فوات الأبان وعدم فواته، فالأقوال الثلاثة التي في موت الزوج جارية في موت الزوجة أيضاً كما في ابن سلمون، ونقله الشارح قائلاً‏:‏ ومن هنا يظهر أن من أوجب الكراء في موته يوجبه في موتها لأن الحق قد انتقل للغير في الصورتين، فما رجحه أبو سعيد في موت الزوجة لا يخلو من بحث اه‏.‏ بمعناه‏.‏ ثم إذا قلنا بلزوم الكراء في هذه الصورة فإنما يلزمه من كراء الجملة‏.‏

بِقَدْرِ مَا بَقِيَ للحَصَادِ *** مِنْ بَعْدِ رَعْي حَظِّهِ الْمُعْتَادِ

‏(‏بقدر‏)‏ ما ينوب ‏(‏ما بقي‏)‏ من المدة بعد الموت والطلاق ‏(‏للحصاد‏)‏ كما مر تقريره إلا أنه في موتها يراعي إرثه منها فيحط عنه من ذلك الكراء اللازم له قدر إرثه منه كما قال‏:‏ ‏(‏من بعد رعي حظه المعتاد‏)‏ له في إرثه منها وهو النصف مع فقد الولد والربع مع وجوده فيحط عنه ويلزمه الباقي فقوله‏:‏ بقدر ما بقي الخ‏.‏ راجع لجميع ما مرّ وقوله‏:‏ من بعد رعى حظه الخ‏.‏ خاص بموت الزوجة، وقد تبين أن الناظم رجح لزوم الكراء في الطلاق وموتها دون موته هو، وقد علمت أن عدم لزومه في موته مبحوث فيه‏.‏

وإنْ تَقَعْ وَقَدْ تَنَاهَى الفُرْقَه *** فالزَّوْجُ دُونَ شَيْءٍ اسْتَحَقَّهُ

‏(‏وأن تقع‏)‏ الفرقة بموتها أو موته أو طلاقه ‏(‏و‏)‏ الحال أنه ‏(‏قد تناهى‏)‏ الزرع وطاب ويبس فقوله ‏(‏الفرقه‏)‏ فاعل تقع ‏(‏فالزوج‏)‏ أو وارثه ‏(‏دون شيء‏)‏ من الكراء ‏(‏ استحقه‏)‏ أي الزرع قاله ابن سلمون وغيره‏.‏

وَنُزِّلَ الوَارِثُ في التَّأْنِيثِ *** وَعَكْسِهِ منْزِلَة المَوْرُوثِ

‏(‏ونزل الوارث في التأنيث‏)‏ وهو موت الزوجة ‏(‏وعكسه‏)‏ وهو موت الزوج ‏(‏منزلة الموروث‏)‏ فلا كراء إن كان الموت بعد الطيب وتجري الأقوال الثلاثة فيما إذا كان قبله‏.‏ وهذا البيت قليل الجدوى لعلم حكمه مما مر‏.‏

تنبيه‏:‏

فإن أمتعت الزوجة زوجها بكرم أو ثمرة فإن وقعت الفرقة بشيء مما ذكر بعد بدو الصلاح في الكرم أو طيب الثمرة فالغلة للزوج أو لورثته، وإن كان الفراق قبل ذلك فالغلة للزوجة أو لورثتها قاله ابن سلمون في فصل المتعة أوائل النكاح منه قال‏:‏ وهكذا حكم الحبس والعمرى المراعى فيهما بدو الصلاح وظهور الطيب، وكذلك حكم الاستحقاق والرد بالعيب ومراده بالحبس الحبس الموقت بحياة المحبس عليه قال‏:‏ إلا أن الزوج متى كانت الغلة للزوجة أو ورثتها لا يرجع بما سقى وعالج اه‏.‏ واختار أبو سعيد بن لب أنه يرجع بقيمة سقيه وعلاجه كما في الشارح واليزناسني‏.‏

فصل في اختلاف المكري والمكتري

وهما كما قال ‏(‏ت‏)‏‏:‏ إما في قدر المدة وعليه تكلم في الأبيات الخمس الأول، أو في القبض والجنس وعليهما تكلم في البيت الأخير، أو في قدر الكراء وعليه تكلم فيما بينهما‏.‏

القَوْلُ لِلْمُكرِي مَعَ الحَلْفِ اعْتُمِدْ *** في مُدَّةِ الكِراءِ حَيْثُ يَنْتَقِدْ

‏(‏القول للمكري مع الحلف‏)‏ بسكون اللام ‏(‏اعتمد‏)‏ فيما إذا اختلفا ‏(‏في مدة الكراء‏)‏ فقال المكري بدرهم لشهر، وقال المكتري‏:‏ بل بدرهم لشهرين وهذا ‏(‏حيث ينتقد‏)‏ أي يقبض المكري الكراء الذي هو الدرهم في المثال المذكور، وظاهره سواء سكن المكتري الشهر الذي يدعيه المكري أو لم يسكنه أشبه فيما يدعيه إن قال الناس مثل تلك الدار تكرى بما قال لتلك المدة التي يدعيها أو لم يشبه، وهو ظاهر ابن سلمون والمتيطي، وسيأتي ما فيه، وأما إن سكن الشهرين فالقول قول المكتري ‏(‏ح‏)‏‏:‏ لترجح جانبة بحيازة السكنى التي يدعيها، ومفهوم قوله‏:‏ حيث ينتقد أنه إذا لم يكن المكري انتقد الكراء ولا قبضه فإنه تعتبر السكنى حينئذ كما قال‏:‏

وَمَعْ سُكْنَى مُكْتَرِ وما نَقَدْ *** تحالفا والفَسْخُ في باقي الأَمَدْ

‏(‏و‏)‏ إن اختلفا ‏(‏مع‏)‏ وجود ‏(‏سكنى مكتر‏)‏ بعض المدة ‏(‏و‏)‏ الحال أنه ‏(‏ما نقد‏)‏ للمكري شيئاً من الكراء ‏(‏تحالفا‏)‏ ويبدأ المكري باليمين لأنه البائع للمنافع ‏(‏و‏)‏ يجب ‏(‏الفسخ في باقي الأمد‏.‏

ثمَّ يؤدِّي مَا عَليهِ حَلَفا *** في أمدِ السّكنَى الذِي قَدْ سَلَفَا

ثم يؤدي‏)‏ المكتري ‏(‏ما عليه حلفا‏.‏ في أمد السكنى الذي قد سلفا‏)‏ فإن اختلفا بعد أن سكن نصف الشهر في المثال المذكور فإنه يؤدي ربع الدرهم وبعد سكناه الشهر والنصف الآخر يؤدي ثلاثة أرباعه‏.‏

وإن يكُونا قبل سُكْنَى اختلَفَا *** فالفسخُ مهما نكَلا أو حَلَف

‏(‏وإن يكونا قبل سكنى اختلفا‏)‏ والموضوع بحاله من كون المكتري لم ينقد شيئاً ‏(‏ فالفسخ‏)‏ أيضاً ‏(‏مهما نكلا‏)‏ معاً ‏(‏أو حلفا‏)‏ معاً فإن حلف أحدهما ونكل الآخر في هذه أو في التي قبلها قضى للحالف على الناكل كما قال‏:‏

والقَوْلُ في ذلِك قولُ الحالِفِ *** في لاحِقِ الزَّمانِ أَوْ في السالِفِ

‏(‏والقول في ذلك قول الحالف‏)‏ وحده إذا نكل صاحبه سواء اختلفا بعد السكنى أو قبلها وقوله‏:‏ ‏(‏وفي لاحق الزمان أو في السالف‏)‏ خاص بالاختلاف بعد السكنى والاختلاف في قدر مدة الأرض المكتراة سنين كالاختلاف في قدر مدة السكنى، وما ذكره الناظم في هذه الأبيات مثله في ابن سلمون والمتيطية والنوادر، وظاهرهم أنه لا ينظر في ذلك لشبه، والظاهر إنه لا بد منه كما قالوه فيما إذا اختلفا في قدر الأجرة وقدر المدة المشار لها بقول ‏(‏خ‏)‏‏:‏ وإن قال اكتريت عشر سنين بخمسين، وقال المكري‏:‏ بل خمس سنين بمائة حلفا وفسخ حيث لم يزرع ولم يسكن، وإن زرع بعض السنين أو سكن بعضها فلربها ما أقرَّ به المكتري أن أشبه وحلف وإلاَّ فقول ربها إن أشبه وإن لم يشبها حلفا ووجب كراء المثل فيما مضى وفسخ الباقي مطلقاً وإن نقدا وأشبها معاً أو المكري فقط فتردد هل هو كالمتقدم في قبول قول المكري بيمينه ويأخذ بحساب دعواه فيما مضى ويفسخ الباقي أو يعمل بقوله ولا فسخ‏؟‏ ويلزم المكتري إتمام المدة بجميع المائة، وأما إذا نقدا ولم يشبها معاً أو أشبه المكتري فقط فحكم ذلك حكم ما ذكر فيما إذا لم ينقد، وإنما قلنا‏:‏ الظاهر إنه لا بد من اعتبار الشبه فيما إذا كان الاختلاف في قدر المدة فقط الذي ذكره الناظم لأنه يلزم من الاختلاف في المدة الاختلاف في قدر الأجرة، ولذا قالوا‏:‏ يؤدي فيما سكن بحساب ما قال، وأيضاً فإنه يلزم من اعتبار الشبه في الاختلاف في قدر الأجرة والمدة اعتباره في قدر الأجرة فقط أو المدة فقط وإنما تركه من تركه للعلم به لأنه معلوم أن الشبه من مرجحات الدعوى، وعليه فقول الناظم‏:‏ حيث ينتقد يعني وأشبه، ويلزم المكتري إن لم يسكن إتمام المدة بما قال المكري‏:‏ كما هو أحد شقي التردد‏.‏ وقوله‏:‏ ثم يؤدي ما عليه حلفاً يعني‏:‏ إذا أشبه فيما يدعيه من المدة، وإلاَّ فالقول لربها ويأخذ من الكراء لماضي المدة بحساب ما قال ويفسخ الباقي لأن شراء المنافع كشراء الذوات فما فات منها يصدق فيه المشتري إن أشبه وإلاَّ صدق البائع ويفسخ العقد فيما لم يفت منها وهو معنى قول ‏(‏خ‏)‏ في البيع‏:‏ وصدق مشتر ادعى الأشبه وحلف إن فات الخ‏.‏ وقوله‏:‏ وإن يكونا قبل سكنى الخ‏.‏ يعني ولا ينظر هنا لشبه لعدم فوات المنافع والله أعلم‏.‏ ثم أشار إلى الاختلاف في القدر فقال‏:‏

وإن يكُنْ في القَدْر قَبْلَ السُّكْنى *** تحالَفا والفَسْخُ بَعْدُ سُنَّ

‏(‏وإن يكن‏)‏ الاختلاف ‏(‏في القدر‏)‏ للكراء كأن يقول المكري بعشرة ويقول المكتري بثمانية فإن كان ذلك ‏(‏قبل السكنى‏.‏ تحالفا والفسخ بعد‏)‏ أي بعد حلفهما ‏(‏سنا‏)‏ أي شرع، وظاهره أنه لا ينظر لشبه ولا لنقد وهو كذلك لعدم فوات المنافع كما في البيع‏.‏

وإنْ يكن من بعدِ سُكْنَى أَقْسَمَا *** وفسْخُ باقِي مُدَّةٍ قد لَزِمَا

‏(‏وإن يكن‏)‏ الاختلاف المذكور ‏(‏من بعد سكنى‏)‏ بعض المدة أو زراعة بعضها ‏(‏أقسما‏)‏ أي حلفا معاً ‏(‏وفسخ باقي مدة قد لزما‏.‏

وَحِصَّةُ السكْنَى يُؤْدِّي المكْتَرِي *** إنْ كان لَمْ يَنْقُد لماضي الأَشْهُرِ

وحصة‏)‏ مدة ‏(‏السكنى‏)‏ والزراعة الماضية ‏(‏يؤدي المكتري‏)‏ من حساب ما قال وهو الثمانية في المثال لأنه يصدق فيما مضى وفات إذا أشبه كما مرّ سواء أشبه المكري أم لا‏.‏ فإن انفرد المكري بالشبه فيأخذ لماضي المدة من حساب ما قال وهو العشرة بعد يمينه، وإن لم يشبها حلفا ووجب كراء المثل فيما مضى ومحل الفسخ في الباقي وتصديق المكتري عند شبهه ‏(‏إن كان لم ينقد لباقي الأشهر‏)‏ فإن نقد خمسة مثلاً وقال‏:‏ هذا المنقود هو كراء السنة كلها، وقال الآخر‏:‏ بل هو كراء ستة أشهر منها وبقي لي عندك من تمام كراء السنة خمسة أخرى فإن أشبها معاً أو المكري فقط جاء التردد المتقدم هل يصدق المكري بيمينه ويأخذ لماضي المدة بحساب ما قال وهو العشرة ويفسخ باقي المدة أو يعمل بقوله في الماضي والمستقبل ويلزم المكتري إتمام المدة بجميع الكراء‏؟‏ وأما إذا نقدا ولم يشبها معاً أو أشبه المكتري فقط ففي الأولى يجب عليه كراء المثل فيما مضى ويفسخ الباقي، وفي الثانية يكون عليه فيما مضى بحساب ما قال، وينظر إلى الدار فإن احتملت القسمة ولا ضرر على المكتري في سكنى نصفها سكنها في نصف الخمسة الباقية في المثال، وإن كان عليه ضرر فسخت بقية المدة ورد المكرى عليه نصف الخمسة المقبوضة قاله المتيطي إلا إنه لم يقيد بالشبه، وقد علمت أنه لا بد منه وهو معارض لما مرّ عن ‏(‏خ‏)‏ من أنه يفسخ الباقي مطلقاً، ومن أنه إنما يصدق في الماضي مع الشبه والفوات والله أعلم‏.‏

والقَوْلُ من بعدِ انقضاء الأَمَدِ *** لِلْمُكْتَري والحَلْفُ إنْ لَمْ يَنْقُدِ

‏(‏والقول‏)‏ فيما إذا اختلفا في قدر الأجرة كما هو الموضوع ‏(‏من بعد انقضاء الأمد‏)‏ أي وهو أمد الكراء ‏(‏للمكتري‏)‏ بشرط الشبه كما مرّ لأنه معتبر مع فوات كل المنافع أو بعضها، وبشرط أن يحلف وأن لا يكون نقد شيئاً كما قال‏:‏ ‏(‏والحلف إن لم ينقد‏)‏ فإن لم يشبه بل أشبه المكري وحده ونكل المكتري عن اليمين أو كان نقد العشرة مثلاً، وزعم بعد انقضاء المدة أن الكراء إنما هو خمسة منها والخمسة الأخرى قرض أو وديعة، فالقول للمكري إن الجميع كراء بيمينه إن أشبه وإن لم يشبها حلفا ووجب كراء المثل، ثم شبه في كون القول للمكتري ما إذا اتفقا على الأجرة وقدر المدة وإنما اختلفا في انقضائها فقال‏:‏

كَذَاكَ حُكْمُهُ مع ادعائِهِ *** لِقدْرِ باقِي مُدَّةِ اكْتِرَائِهِ

‏(‏كذاك حكمه‏)‏ أي المكتري ‏(‏مع ادعائه لقدر‏)‏ اللام زائدة ‏(‏باقي مدة اكترائه‏)‏ لو قال بقاء قدر مدة اكترائه لكان أحسن وسلم من زيادة اللام‏.‏

واعلم أنه لا يتأتى الاختلاف في انقضاء المدة إلا بالاختلاف في مبدئها، ومحل كون القول للمكتري بيمينه إذا أشبه الآخر أم لا‏؟‏ فإن أشبه المكري فقوله بيمينه وإن لم يشبها حلفا ووجب كراء المثل فيما مضى، وإن وقع الاختلاف قبل أن يمضي شيء من المدة حلفا وتفاسخا ولا ينظر لشبه لعدم فوات المنافع، فإن أقام كل البينة قدمت بينة المكري لتقدم تاريخها، وهذا الحكم عام في الكراء والبيع‏.‏ ‏(‏خ‏)‏‏:‏ وإن اختلفا في انتهاء الأجل فالقول لمنكر التقضي الخ‏.‏ ثم أشار إلى اختلافهما في جنس الكراء أو قبضه فقال‏:‏

والقولُ في القبض وَفي الْجِنْسِ لِمَنْ *** شَاهدُه مَعْ حَلْفِهِ حَالُ الزمَنْ

‏(‏والقول‏)‏ في الاختلاف ‏(‏في القبض وفي‏)‏ الاختلاف في ‏(‏الجنس لمن شاهده مع حلفه حال الزمن‏)‏ بالرفع خبر عن شاهده ومع حلفه حال من القول، فإذا اختلفا في جنس الكراء فزعم المكري أنه بالدنانير، وزعم الآخر أنه بعرض، فإنه ينظر لعرف البلد في مثل ذلك الكراء من كونه بالدنانير أو بالعرض، فمن شهد له عرف البلد منهما صدق مع يمينه كما مر في البيع في التنبيه الثاني عند قوله‏:‏ بأضرب الأثمان والآجال‏.‏ أنه لا فرق بين بيع الذوات والمنافع، وأما إذا اختلفا في القبض فإنه ينظر للقرب والبعد، فإن كان الكراء مشاهرة أو مسانهة ودفع ببينة كراء شهر معين أو سنة معينة فذلك براءة لما قبل ذلك من الشهور والسنين كما مر في كراء الدور في التنبيه الثالث، وإن لم يدفع كراء شهر معين ولا سنة بعينها فالقول للمكتري فيما مضى إلا في الشهر الأخير والسنة الأخيرة، فالقول لرب الدار إن قام بحدثان ذلك فإن تطاول ذلك حتى حال نحو الشهر في الشهور والسنة في السنين، فالمكتري مصدق مع يمينه قاله ابن سلمون ونحوه في المتيطية قائلاً وبه العمل، وكذلك قيام الصناع بعد رد المتاع ثم يطلبون بعد ذلك أجرتهم يفصل فيه بين القرب والبعد، والعمل بفاس أن يقبل قول المكري في الثلاثة الأشهر الأخيرة أنه لم يقبض كراءها مع يمينه كما في المجالس المكناسية ولا يقبل قوله فيما زاد عليها، فقول الناظم حال الزمن يعني يعتبر في كل ما يليق به، ففي القبض يعتبر القرب والبعد في الزمان، وفي الجنس يعتبر عرف البلد في ذلك الزمان والله أعلم‏.‏

تنبيه‏:‏

فإن لم يبينا في عقد الكراء وقت أدائه واختلفا فيه فقال المكتري‏:‏ تعجله في أول الشهر، وقال المكري في آخره حملاً على عرف البلد كما قال ‏(‏خ‏)‏‏:‏ وعجل إن عين أو بشرط أو عادة الخ‏.‏ فإن لم يكن عرف لزمه أن يؤدي في كل يوم بحسابه‏.‏

فصل في كراء الرواحل

جمع راحلة وهي الناقة النجيبة الكاملة الخلق الحسنة المنظر المدربة على الركوب والسير والحمل، بهذا فسر عياض قوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ ‏(‏الناس كإبل مائة لا تكاد تجد فيها راحلة‏)‏ عياض‏:‏ وأصلها من الرحل الموضوع عليها اه‏.‏ والمراد بها هنا الدابة من حيث هي من فرس وبغل وحمار وجمل‏.‏ ‏(‏والسفن‏)‏ جمع سفينة‏.‏

وفي الرَّوَاحِلِ الكِرَاءُ والسُّفُنُ *** عَلَى الضَّمانِ أَوْ بِتَعْيِينِ حَسَنُ

‏(‏وفي الرواحل الكراء‏)‏ مبتدأ والمجرور قبله متعلق به ‏(‏والسفن‏)‏ جمع سفينة عطف على الرواحل ‏(‏على الضمان‏)‏ خبر ‏(‏أو بتعيين حسن‏)‏ عطف عليه‏:‏ والمعنى أن الكراء في الرواحل والسفن كائن على وجهين إما على الضمان كأكتري منك ركوب دابة أو سفينة إلى موضوع كذا، أو أكتري منك دابتك البيضاء أو السوداء أو التي عندك أو أكري لك دابتي وليس لي غيرها، فهذه الصور كلها من المضمون، وإما على التعيين كأكتري منك دابتك هذه إلى محل كذا، فالكراء المعين هو ما وقع العقد فيه على مشار إليه والمضمون ما كان بخلافه‏.‏ ابن المواز‏:‏ ولو اكترى منه دابة أو سفينة ليحمله لبلد كذا ولا يعلم له غيرها وقد أحضرها ربها عند العقد ولم يقل تحملني على هذه، فهو على الضمان وعلى المكري خلفها إذا هلكت حتى يصل الغاية اه‏.‏ قالوا‏:‏ لأن الكراء المضمون كشراء سلع مضمونة إذا هلكت قبل القبض أو استحقت مطلقاً لزمه أن يأتيه بمثلها، وإذا قدم فيه المكري دابة للمكتري فركبها فليس له أن يزيلها من تحته إلا برضاه والكراء المعين إذا هلك قبل الغاية انفسخ الكراء ولا يلزمه أن يأتيه بغيرها لأنه كشراء السلعة المعينة من مكيل وموزون إذا هلك قبل أن يوفيه كيله أو وزنه انفسخ البيع، فإذا تراضيا بعد الفسخ في المعينة على أن يخلفها بغيرها وكان لم ينقد جاز لأنه كراء مستأنف، وإن كان نقد لم يجز لأنه فسخ دين في دين إلا أن يكون في مفازة أي محل لا يجد فيه دابة للكراء، فيجوز حينئذ وإن أدى لفسخ الدين قال ابن المواز‏:‏ ولا يجوز استئجار عبد أو دابة أو سفينة بعينه على أنه إن هلك أتاه بمثله كما أنه لا يجوز بيع شيء بعينه على أنه إن هلك قبل القبض ضمن البائع مثله سواء كان المبيع حيواناً أو طعاماً أو عرضاً اه‏.‏ وإذا وقع الكراء على الضمان فلا بد أن يذكر جنس الدابة ككونها من الخيل أو البغال ونوعها من برذون وعربي وذكورة وأنوثة كما قال ‏(‏خ‏)‏‏:‏ وإن ضمنت بجنس ونوع وذكورة الخ‏.‏ وإذا كانت معينة واكتراها للركوب فينبغي أن يختبر سيرها ليعلم سرعتها من بطئها، فرب دابة كما قال مالك المشي خير من ركوبها، فإن لم يختبرها لم يلزمه الكراء، ثم محل ذكر الجنس والنوع في المضمونة إنما هو إذا أكريت للركوب، وأما على كرائها للحمل ونحوه فلا يحتاج لذلك لعدم تعلق الأغراض به إلا في حمل زجاج ونحوه كدهن فيحتاج لوصفها خوف أن تكون جموحاً أو عثوراً فتفسده، وإذا قدم له جموحاً أو عثوراً وهو عالم بأنه يحمل عليها ذلك، فالظاهر ضمان المكري حيث لم يعلم المكتري بكونها جموحاً أو عثوراً والله أعلم‏.‏

تنبيهات‏:‏

الأول‏:‏ قال البرزلي‏:‏ من اكترى دواب بأحلاسها وغرائرها فهربت دابة بحملها فتبعها فرجع فوجد الأخرى قد ذهبت فلا ضمان عليه في الأولى ولا فيما عليها إلا أن يتبين كذبه ولا ضمان عليه في الثانية أيضاً ولا فيما عليها إن تركها عند ثقة وإلا ضمن اه‏.‏

قلت‏:‏ قوله‏:‏ وإلاَّ ضمن الخ‏.‏ نحوه قوله في الدر النثير في الراعي تذهب الشاة فيتبعها ولا يترك الغنم عند أحد فتضيع كلها أو بعضها‏:‏ أنه ضامن لأنه مفرط حين علم أنه موضع الخوف فرجع إلى الأقل وترك الأكثر لأنه مأمور بحفظ الأكثر اه‏.‏ ومفهوم قوله حين علم أنه موضع الخوف الخ‏.‏ أنه إذا علم أو غلب على ظنه أنه محل أمن لا ضمان عليه، ومفهوم قوله فتبعها أنه إذا لم يتبعها ولا طلبها لا ضمان عليه، ولا يكون عدم طلبها تفريطاً يوجب الضمان وهو كذلك حيث خاف على الباقي لكونه في غير محل أمن وإلاَّ ضمن كما في ابن عرفة‏.‏

الثاني‏:‏ قال ابن القاسم في الدمياطية في مكتري الدابة يشترط عليه الضمان‏:‏ أنه لا ضمان عليه قال‏:‏ والمناجل وآلة الحرب يضمنها‏.‏ ابن رشد قوله بضمان المناجل ونحوها مما يغاب عليه شذوذ ولا أعلم خلافاً أنه لا ضمان عليه ولو مع الشرط، وظاهر كلامه في اشتراط ضمان الدابة عليه أنه كراء فاسد وعليه كراء المثل في الفوات قال‏:‏ وحكم كراء العروض على شرط الضمان حكم بيع الثنيا يفسخ إلا أن يسقط الشرط، فإن لم يعثر على ذلك حتى فات الكراء ففيه الأكثر من المسمى وكراء المثل دون شرط اه‏.‏ وبه تعلم ما في اشتراط تضمين الماشطة ما تلف بيدها مما اكترته من حلى الأعراس انظر ‏(‏م‏)‏ في البيت بعد هذا‏.‏

الثالث‏:‏ قال الوانوغي‏:‏ وفي سماع أشهب فيمن يتكارى دابة لمكة كل يوم بدرهم‏؟‏ قال‏:‏ ما هذا من بيوع الناس ولعله يمكث بذلك شهرين ولو ضرب لذلك أجلاً كاكترائه لها شهراً كل يوم بدرهم، فلا إشكال في الجواز‏.‏ وأما إذا اكتراها منه إلى مكة كل يوم بدرهم فلم يجز ذلك هنا، وأجاز في المدونة كراء الراحلة بعلفها إلى موضع كذا، وهذا اختلاف من القول إذ لا فرق بين المسألتين لأنه إذا أبطأ في السير كثر عليه العلف، وإن عجل قل عليه العلف، فآل ذلك إلى الجهل بمبلغ الكراء، ولو أكرى منه الدابة بعلفها إلى مكة أو كل يوم بدرهم أسرع أو أبطأ في السير لم يجز اتفاقاً، فالخلاف إنما هو إذا وقع الكراء مبهماً دون بيان، فحمله في هذه الرواية على الظاهر من الوصول إلى مكة قرب أو بعد، وحمله في المدونة على الوصول على السير المتعارف فأجازه اه‏.‏ واقتصر في الكراس الثامن من أنكحة المعيار على أن كراء الدابة كل يوم بدرهم لا يجوز إلا مع الأجل كالشهر ونحوه‏.‏ ثم أشار الناظم إلى وجوب تعجيل الأجر في الكراء المضمون دون المعين فإنه يجوز فيه التعجيل والتأجيل فقال‏:‏